الخميس، 23 أكتوبر 2008

الزعيم

المساء بردائه الأسود جد بارد تحلق شباب المدينة حول نار موقدة في بعض الحطب الذي لايدري أي واحد منهم من أي جهة حملته الأمواج، يدخنون الحشيش .. يحتسون الروج يقهقهون يتلاومون كعادتهم حين يفكرون بقتل الزمن الرتيب بأقصى الوسائل سموما، وحده رفيق حاول غير مرة تحويل القهقهات إلى الحديث عن الزعيم لكن كلامه غالبا ما يصطدم بلغطهم فيعود إلى صمته، هذه المرة وجد الفرصة سانحة حين شغلتهم النار التي بدأت تخبو عن الدفء و البهجة: النار ستنطفئ لكن نار الزعيم ستستمر في التهام القلوب و الفدادين و الأرواح مادمتم منشغلون بأمور تافهة
كلهم سكتوا إنهم جبناء يخافون الزعيم أكثر مما يخافون الحرب، داسوا النار بنعالهم لعنوا الحشيش لعنوا الروج لعنوا النار و حتى الساعة التي جمعتهم برفيق وذهبوا، بعينين اتسع فيهما السؤال بقي رفيق وحده يشيع بعض الوميض في بقايا الرماد الرملي و يشيع خطاهم حتى غابوا في تلابيب الظلمة و عتمة الحي الهامشي .
( الزعيم ) هكذا سماه أهل المدينة كان يجمعهم في بيته المهترئ على زاوية زقاق مظلم لا يصلح إلا للأزبال لتدبر أمر المدينة لمواجهة المستعمر و و التي غالبا كانت مشاريع وهمية فاشلة، وحده جليل كان يعرف أن الزعيم وراء الفشل.، / الله ء رحمك آسي جليل/ لا أحد يعرف سر موتك كل ما يعرفه أهل المدينة هو أن أمواج البحر ابتلعتك و حين امتص الحوت دماءك لفظتك الأمواج إلى الصخور الحادة ، ما زلت أذكر الزعيم قال ببرود: / مافيها شك لالا عيشة البحرية عرضات عليه لشي قصارة / .
لا أدري كيف اتسع صدر الزعيم لإخفاء كراهيته لك طوال هذه المدة منذ ليلة موغلة في ذاكرة المدينة لكن من عادة الزعيم ألا ينسى كيف ينسى أنك رأيته يستتر بالظلام و بحوزته أوراق تبين لك أنها مهمة سرية من خلال ضحكة ماكرة ارتسمت فجأة على محيا الزعيم، جثا على ركبتيه و نظر إلى نقطة ما بعيدة في الأفق البحري :/زمان حاربنا الفرنسيس بكل ما ملكناه من قوة ؤ عزيمة ؤ ها حنايا اليوم قربنا لنهاية ؤ كاملين مقموعين ؤ ما عدنا حق/ وحده الزعيم من زقاق متسخ إلى قصر لا تحرزه الرؤيا و لا يحصره مكان مقابل شرف المدينة و دماء شبابها.
لا يشبهك يا مدينتي سوى صقيع ( العاذر و تزمامارت )، كل ما فيها بارد إلا صوت أنين السياط و عنف الزعيم و قد كان يشبه الفرنسي تماما ما زال طنين الفؤوس يطن في رأسي حين يكلفنا الزعيم بحفر خنادق انتحارية فننفذ في صمت أو نموت في ذالك الخلاء القصي و كثيرا ما كانت أصواتنا تفضح فنلقي أنفسنا مطوقين بوابل من رصاص الشتائم و قذائف العصا و السوط لاتخمد إلا بعد أن تنهي أعمار الكثيرين من الشباب، هي الأرواح نفسها تسافر عبر الأجساد من الفرنسي إلى الغريب إلى الزعيم إلى نهاية العالم؟؟؟
// منذ ليلة أمس و الزعيم لم يأت بعد// .. كانت الزريبة عفنة تخنقها أنفاس الموتى الأحياء و مظلمة.. وحدها خيوط الضوء الكوني تتسلل عبر القضبان الحديدية في نافذة لا تصلها العصافير المملوكة لتضيء وجوها تميل شبها إلى وجوه البشر و تبدو شرسة كوجه الغريب ساعات أخرى مرت و الزعيم ربما يدبر شيئا ما، فالمعروف عن الزعيم أنه لا يتسرع هم وحدهم يصيرون أخف من البرق و قبل أن يتكلم، طرق خطى يدنو من الباب ترتجف القلوب كعادتها حين يحضر الزعيم، ينفتح السياج المكهرب ينكشف شبح بلا ملامح و يبدو من شكله و هو يتقدم أنه يحمل وجها قبيحا، يومئ الزعيم الى الوجوه الشرسة و يقترب من رفيق و هو يشير بيده بتلك
الإشارة المعهودة: - احملوا هذا القذر إلى الجحيم

ليست هناك تعليقات: