السبت، 9 مايو 2009

كناوة gnawa 3


من المعروف عند العامة أن ليلة الدردبة تنظم بأحد المنازل الخاصة بأحد أعضاء الطائفة في مواعد سنوية محددة، و من المتفق عليه أنها تكون غالبا خلال النصف الثاني من شهر شعبان أو في أوقات أخرى يتم الاتفاق عليها و ليلة الدردبة هي أهم طقس كناوي، اختيار شهر شعبان له علاقة بالمعتقد و الإرث الثقافي الكناوي و علاقته مع قوى الجن و الروحانيات الذي يشكل ركنا أساسيا في طقوس ومعتقدات كناوة في الموروث الشعبي نجد ليلة منتصف شهر شعبان ليلة مقدسة بكل المقاييس ففيها يلعب الجن دورا مهما في تحديد مصائر البشر ولذلك ينبغي التوسط لدى ملوك الجن لأجل تحقيق أمنيات العلاج والنجاح في الأعمال، و غيرها من الأغراض قبل أن يسجن الجن طيلة النصف الثاني من شعبان، فالجن و حسب الأعراف المتداولة تقضي المدة التي تسبق شهر الصيام في سجون أسطورية، ولن يطلق سراحها إلا في ليلة القدر

تنطلق مراسم ليلة الدردبة بمرحلة الطواف و التي تعتبر وسيلة إعلامية حيث يطوف كناوة بالأزقة و الشوارع بالذبيحة و غالبا تكون تيس أسود ويسمى هذا الطقس بالعادة وتكون مفتوحة للعموم، يسمح خلالها بالحضور لغير المنتسبين للطريقة الكناوية, و بها تنطلق الليلة على إيقاع دقات الطبول وأنغام البنكري و القراقش بعد منتصف الليل تكون البخور السبعة أطلقت سحائب شفافة من دخان له رائحة نفاذة وزكية, و بتنسيق بين لمعلم الكناوي – مقدم الفرقة الكناوية - والعريفة وجميع أتباع الزاوية يشرعون في الطواف بين الراقصين برايات تحمل الألوان السبعة لـ «الملوك» من اجل دعوتها النزول بين المحتفلين بها


فيتصاعد الإيقاع شيئا فشيئا تمهيدا للدخول في طقوس أخرى مغلقة على العموم لا يحضرها إلا كناوة و أتباع الطائفة يكون خلالها قد بلغ الإيقاع أوجه، يغادر الغرباء الفضوليون الحفل ليتركوه لأن المرحلة الموالية سوف تشهد دخول طائفة كناوة في علاقة حميمية مع الملوك – الجن - و الموسيقى التي تعزف ليلة الدردبة ليست مجرد إيقاعات راقصة قوية، العارفين بخبايا كناوة، يدركون أن الإيقاع و الرقصة تتوزع وفق نسق يجعل الفرقة الكناوية تعزف تباعا الإيقاعات الخاصة بملوك الجن السبعة الذين يقدسهم أفراد الطائفة، بحيث يأخذون يعين الاعتبار الممسوسين بالجن، يبدأ الرقص بالصعود نحو مرحلة الاندماج الكلي، و ينزل الملوك بين الراقصين، فإذا كان شخص ممسوس من قبل الملكة للا ميرة، مثلا
فالإيقاع سيكون خاصا بتلك الملكة حتى ينهض الممسوس، كما لو أنه مدفوع من قوة خفية، فيشرع بإطلاق صرخات هستيرية مخيفة، ثم يبدأ في الجذب المحموم مع الصراخ والتمرغ على الأرض, ويطالب المحيطين به أن يعطوه قاقا التي تعني في لغة أطفال المغرب الحلوى، فيسرعون مناولته شيئا حلوا، لان الملكة للا ميرة هي التي طلبته في الحقيقة, وبعد أن ينهار الممسوس تسارع إليه العريفة وترمي عليه غطاء من الثوب ويجب أن يكون الثوب في لون الملكة التي تكون حاضرة وسط الحفل من خلال مجموعة من الرقصات يؤديها الشخص الممسوس،
للا ميرة في الثرات الشعبي هي جنية من الملوك تصيب الناس و غالبا ما تكون مثمثلة في شخص العريفة أو كما ينادونها جل المغاربة الشوافة الكناوية.




الدردبة هي طقس احتفالي بامتياز مرتبط بالليل و خلال المراحل المتقدمة من الليلة يأتي دور على الشوافة التي تربط بين القوى الخفية (الملوك) و الحاضرييبدأ الطقس برقصة ترتعش فيها أطراف، فيفهم الحاضرون أن إحدى الملكات قدمت، فتزيد الشوافة البخور فيمتلأ المكان بالدخان الذي يضفي قدسية على الفضاء المسكون بروح الأساطير و الجن بعد أن تحل الملكة في جسد الشوافة تقوم العريفة بتغطيتها بأثواب من مختلف الألوان: أسود أصفر أزرق, الى أن تتوقف الشوافة عن الرقص و تسقط مغشية عليها، و من خلال لون الثوب الأخير تعرف هوية الملكة التي حلت في جسد الشوافة الكناوية في النطق بنبؤاتها، التي يعتقد في أن الملكة هي التي كانت توزعها بين الحاضرين على لسان العريفة



بعد انتهاء العريفة من طقوسها يختتم الحفل بذبح التيس الأسود وقبل الذبح، يقومون بتقديم الحليب للتيس كي يشرب منه، و يرش بماء الورد فتشرب العرافة من الدم الحار المنساب من القربان، قبل أن يغمس شيخ الطريقة الكناوية أصابع يده اليمنى ويطلي بالدم جبين العريفة، كي تقبل الملوك الذبيحة و ترضى عن طائفة كناوة
و قبيل الصباح يحمل التيس المذبوح بيت شيخ الطريقة الكناوية لاعداد وليمة كسكسو مسوس أي بدون ملح لأن الجان سيشاركون فيها، و سيقدم للمحظوظين والمحظوظات الذين نالوا بركة الدردبة و في الساعات الأولى من الصباح، تذهب الملوك الى سجونها الأسطورية، وتنسحب الطائفة و معها الأتباع طلبا للراحة بعد ليلة متعبة معتقدين أنهم محميين من أذى الانس و الجان، بعد أن نالوا مباركة ملوكها السبعة
.

ليست هناك تعليقات: