الأحد، 20 سبتمبر 2009

متقاعدون فوق العادة….


متقاعدون فوق العادة….
بقلــــــم: المتقاعد السككي بالمغرب

لــم تحجب عني اهتمامات الوطن الكبرى، تلك القضايا الشخصية والظروف المعيشية التي يعيشها جمهور المتقاعدين المغاربة عامة ، ومتقاعدي السكك الحديدية على وجه الخصوص، خصوصا في هذه الأيام الرمضانية الصعبة التي تتطلب مصاريف إضافية، تبعا للغلاء الفاحش لمتطلبات الحياة اليومية المؤرق ، والمعاناة مع المرض، والمصاريف الباهظة للأدوية الملازمة له. والأكيد أن هذا ليس تقصيرا مني كما يعتقد البعض، ولكنها أمور متعلقة بالنقص الحاصل في جمع المعلومات الضرورية لإنجاز ملفات حقيقية متكاملة وواقعية عن وضعيتهم، وانعدام التواصل المستمر بين المتقاعدين أنفسهم، وغياب ردود الأفعال حول ما يكتب عنهم،. مؤكدا أن لاشيء رغم ذلك يمكنه أن يصدني أو ينسيني وضعية أبناء عشيرتي أعوان قطاع السكك الحديدية الذين تتلمذت وتعلمت الكثير منهم أثناء احتكاكي الطويل بهم، وعرفت من خلال عالمهم معني الحياة ، وذقت بجانبهم ألوان القسوة والمعاناة والفقر وألم الحرمان، نتيجة الممارسة النقابية الملتزمة التي استمرت تربطني بهم زهاء 26 سنة، والتي لازال اعترافهم لي بذلك قائما رغم تغير الظروف وانتهاء كل شيء كان يجمعنا، بفعل التقاعد الذي أصبحت اليوم أوضاعه المأساوية تؤرقنا . ولعل ما يزيدني فخرا هو سؤالهم المستمر عني وعن أحوالي الصحية، وفخرهم بكوني لازلت ورغم التقاعد أرسل رسائل همومهم ومعاناتهم إلي المسؤولين، بعد أن فجرت موضوع الوضعية المسكوت عنها للمتقاعدين السككيين، إضافة إلى دعوات بعضهم المتكررة لي لعقد جلسات أخوية سواء في المقهى أو لحضور بعض المناسبات العائلية نستعيد من خلالها بعضا من ذكرياتنا الجميلة التي غالبا ما كان يتخللها الأسى والحزن لحرماننا من لحظاتها السعيدة رغم قساوة أيامها.
ولعلني وكما سبق أن قلت أرى أن هناك سببا وجيها في كل ما يحصل ولا يعلمه معظم المتقاعدين السككيين وغيرهم، والذي يقف حجر عثرة بالنسبة للكتابات الالكترونية التي تتحدث بصدق عن مشاكلهم ومطالبهم وطموحاتهم، وهو مشكل التواصل وردود الأفعال، ومدى تفاعل المتقاعدين مع تلك الخطابات التي توجه باسمهم للمسؤولين. فالمدون ليس صحفيا محترفا يتقاضي عن تعبه ما تدره مبيعات الصحف، ولكنه قانع بتعليق بسيط يعكس الاهتمام بتلك المجهودات ، يكون كافيا بأن يرفع معنوياته ويزيد من عطاءه، وأن يحدث في نفسه الشعور بوجوده، ويعتبر في قرارة نفسه أن ذلك التواصل الافتراضي هو اعتراف بجهوده، وأهم له من المال ومن كل الهبات التي تقدم في الخفاء، مادام قد التزم مع ضميره بخدمة قضية معينة تخدم مصلحة الآخرين.
وليس غياب المتقاعدين عن عالم الانترنيت وحده ما يؤرقنا، ولكن كذلك تجاهل المسؤولين وردود أفعالهم السلبية خاصة مع ما ينشر عبر شبكة الانترنيت من قضايا ومواضيع جوهرية غالبا ما تنتظر الحلول العاجلة ، فرغم اضطلاعهم اليومي على ملخصات ما ينشر عبر وسائل الإعلام المتوفرة من مصائب وخروقات تهم القطاعات أو الوزارات التي تحت إمرتهم ، حيث سرعان ما تجدهم يتسارعون إلي نشر قصاصات إعلانية إما للتكذيب أو للتوضيح أو للتصحيح أو لاستغباء الرأي العام الوطني، مخافة من ردود أفعال قوية لا تخدم بالأساس مواقعهم، عكس تفاعلهم مع الصور والأخبار والفضائح التي تنشر على شبكة الانترنيت والتي تعرف إهمالا وعدم الاهتمام رغم خطورة تلك القضايا، وهذا يعني شيئا واحدا، وهو أنه لازال في بلادنا من يعتبر أن التطرق لتلك القضايا والمشاكل عبر الإنترنيت لا ترقي في نظره إلى المتابعة مادام أن هذا الجهاز لا يضطلع عليه أغلب المواطنين، أو أنه مجرد وسيلة للتسلية وضياع الوقت فقط، وليس لنشر بعض الأخبار الحساسة التي لا تستطيع الصحافة نشرها ، أو أنها لا تثير فضولها وربما ستفسد علاقاتها مع كوادر تلك الإدارات.( أستثني هنا بعض الإدارات المغربية التي تفاعل مسؤولوها مع مانشرعلى صفحات الإنترنيت وقاموا بمعاقبة بعض المخالفين للقانون من موظفيهم).
لقد حاولت مدونة المتقاعد السككي، ومنذ البدء أن تكون صادقة في خطها التحريري الإنساني المتواضع، وأن تعكس بجلاء واقع وحياة السككيين ،وأن تثير انتباه المسؤولين إلى وضعية المتقاعدين المغاربة كافة، والذين اكتشفوا أخيرا أن أوضاعهم أصبحت خارج جميع المساطر الإدارية، بل أكثر من ذلك فقد أصبحوا يحسون بالغربة والتهميش المفروض عليهم من طرف المؤسسات التي اشتغلوا بها ذلك العمر الطويل ، ولم يعد أحد يضع مصيرهم ومستقبلهم في الحسبان.
ولعل إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدية التي تعاقبت وبتنوع عقلية ومزاجية مديريها، واحدة من المؤسسات المغربية التي ظلت وفية لنهج التهميش المتعمد لأوضاع متقاعديها اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا، بل أنها كثيرا ما حرمتهم من بعض الحقوق المتعارف عليها عالميا لدي سككي العالم ، وعدم تفكيرها في ضمان مستقبل آمن لهم ولأيتامهم وأراملهم منذ سنين، رغم أن معظمهم قضى فترة عمله في أعمال شاقة لا يتقبلها العقل، سواء داخل المشاغل أو في بناء خطوط السكك الحديدية أو السياقة ليل نهار، أو المغامرة بإصلاح أسلاك الكتينة ( وهي المصلحة المكلفة بصيانة خطوط الكهرباء التي يشتغل بها القطار الكهربائي والتي تزيد قوتها عن 3000 واط). فكيف يعيش متقاعد سككي قضي أكثر من ثلاثين سنة من العمل مع أسرته على معاش لا يتجاوز 200 دولار في الشهر، تصرف جميعها فقط على أداء واجب الكراء، وفاتورة الماء والكهرباء، وجزء من مصاريف العلاج، دون أن نتحدث عن كيف وبماذا ستعيش عليه هذه العائلات خلال 30 يوما تمر كلها انتظار وترقب.
لقد تطرقت في مواضيع سابقة عن وضعية شريحة من المتقاعدين السككيين، وحللت بإسهاب وضعيتهم المزرية التي دفعت ببعضهم إلى امتهان التسول، وآخرون إلى الحراسة ليلا، وبيع السجائر في الأزقة والشوارع، ومنهم من امتهن مهنا مخلة للأخلاق، ووضعت حينها سؤالا بسيطا لكل إطار سككي لبيب، هل يرضي أحد منهم أن تمرغ سمعة مستخدميه السابقين في التراب؟ وما هو رأيهم في كل ما يحصل لهؤلاء الأبرياء الذين ساهموا كل حسب طاقته في بناء وازدهار قطاع يعد اليوم من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد و أنجحها ؟
أنا أعرف أن لا أحد منهم يستطيع الإجابة الصريحة للرد عن هذه الأسئلة الصعبة، ما دامت الإدارة العامة للسكك الحديدية قد وفرت لأطرها وضعا معاشيا مريحا، وأجرا نتمنى دوامه عليهم بالصحة والعافية وهناء البال، وأن لا أحد من الفاعلين الاجتماعيين جمعية أو نقابة قادر على الالتفات لمعاناتهم، أو مجرد الحديث جهرا عن مستقبل التقاعد الذي هو مع الأسف المصير المحتوم الذي ينتظر الجميع.
لقد تحدثت مؤخرا لأحد القادة النقابيين السكيين عن مشكل التقاعد والوضعية التي يتخبط فيها معظم متقاعدي القطاع، وطالبته بضرورة فتح هذا الملف مع إدارة السكك الحديدية الحالية ، مادام معظم أطرها قد تدرجوا في مراتبهم بجهود هؤلاء المتقاعدين والمتقاعدات، وأكدت عليه أن تنصب مطالبهم مستقبلا على المطالبة بضرورة تحسين أوضاع المتقاعدين أولا، والاهتمام بقضاياهم الإجتماعية، لأن هذا يخدم بالأساس مستقبل المستخدمين المقبلين على التقاعد.
أخيرا نتمنى أن تجد رسائلنا هذه المجال الرحب للتسرب إلى ضمائر مسؤولي المكتب الوطني للسكك الحديدية المغاربة وليس غيرهم، حتى يجدوا الصيغة المثلى لإصلاح أوضاع المتقاعدين الذين هم في حاجة ماسة لمن ينظر إلى أحوالهم في هذه الظروف الصعبة التي قهرت الجميع.
فاس في :19/09/2009


المصدر

ليست هناك تعليقات: